وإن ضللت وشططت فمن نفسي والشيطان.وأود أن أذكّر أني لا أصر على هذه المعانى التي أوردها بشأن الصابئة فقد أكون مخطئاً ضالاًّ فيما استنتجه من معان،وإنما أعرضها للتدارس والنظر وتحفيز البحث، وأسوقها كاحتمالات قريبة، عسى أن يهدي الله عباده لأقرب من هذا رشداً.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62} البقرة
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {69} المائدة
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {17} الحج
ومن قرأ: {صابين} (وهي قراءة نافع وأبي جعفر المدنيين. الإتحاف 138) فقد قيل: على تخفيف الهمز كقوله: {لا يأكله إلا الخاطون} (وهي قراءة أبي جعفر) <الحاقة/ 37>، (مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني). و"الصابئين" جمع صابئ، وقيل: (صاب): (الجامع لأحكام القرآن ،القرطبي).
فالناس لعلهم في الدين عموماً ثلاثة أو أربعة: مؤمن وكتابي (يهودي أو نصراني) وصابي (أي غير ذلك:ذو صبغة ما وطبعة ما وذو طريق ومنهج ما). أما المؤمن فهو المُتّبع دين وسبيل وطريق وملّة الرسل كما أنزل الله وارتضى (صبغة الله ودينه وحكمه)،فالمؤمن على فطرته الأولى السليمة التي فطر الله الناس عليها،وأما الكتابي فهو من كان في الأصل متّبعاً دين الرسل ثم خلط أو زاغ عن سبيلهم الحقّ واتّبع هواه وهوى مضلّيه (وربما ماثلهم من زاغ من المسلمين)، فالكتابي في الأصل على دين الله والفطرة الأولى، ولكنه أضاع نصيباً من الكتاب، وخلط بين دين الفطرة وبين مالم يُنزل الله،فمنهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ومنهم الكفرة،وأما الصابي (غير ذلك، الخارج عن الفطرة،الغاوي والضالّ) فلعله المتّبع لغير ذلك من الأديان والسبل والملل المُخْتَلقة المفتراة التي لم ينزل الله بها من سلطان.فلعل الصابي عموماً هو الغاوي المتخرّص المتكهّن المتنبىء المُنجّم المُتطيّر المبتدع العقلاني المستبصر المستشرق الراجم بالغيب المعتنق لأي سبيل وحكم وقضاء، إلا سبيل الله وحكمه وقضائه.فالصابي (صبأ عن دين الله أو صبأ لغير دين الله ) هو من يعبد ما يصبأ له أو لغيره وما يراه ويحكم به عقله أو عقل غيره،لا ما حكم به الله ورُسُلُه:
قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ {29} غافر
وبذلك لعله يكون المشرك والمجوسي (وربما أكثر أهل الكتاب) صابئة أيضاً ،لأنهم إما مُعرضين عن حكم الله (صابئين عنه لغيره،أو لا يتناسب مع ما صبأ لهم من زخارف) أو منازعين ومجادلين فيه (صبأ لهم أن يُحرّفوا حكم الله أو يردّوه) كأكثر أهل الكتاب، ولكن ربما لمّا حُدّد دينهم عُرفوا بمسمّى ذلك التحديد. وكذلك يكون حال بقية الصابئين الآخرين ،والمسمّيات كثيرة (الفلسفات والنظريات والملل والرؤى والحِكَم) ولن ننتهي منها لأننا لن نحصي أديان العالمين وأحكامهم التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ {116} الأنعام
فنستطيع مثلاً أن نقول صابئة النور والنجوم (عُبّاد النجوم) وصابئة الطبيعة (عُبّاد الطبيعة) وصابئة العقل والحكمة (عُبّاد العقل والفلسفات والنظريات والأحكام البشرية والمعرفة والعلم الدنيوي) .. إلى آخره. فكل إنسان ،إن شاء بعد مشيئة الله، يستطيع أن يُصبىء (يُخْرِج ويُطْلِع) له ديناً حسب رؤيته (صبأ له كذا:صبح له وظهر) أو يصبأ (يخرج وينشأ) لغير دين الله. فلفظة صبأ عموماً تعني طلع وظهر وخرج.فإن قلت صبأ عليه (خرج عليه:عداوة) وإن قلت صبأ إليه (خرج إليه :مودّة ) ، وقد تخفف صبا (دون همز) :
وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ(33) يوسف
وبمسند الإمام أحمد: -قال أعرابي يا رسول الله هل للإسلام من منتهى قال نعم أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله عز وجل بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام قال ثم ماذا يا رسول الله قال ثم تقع فتن كأنها الظلل فقال الأعرابي كلا يا رسول الله قال النبي صلى الله عليه وسلم بلى والذي نفسي بيده لتعودن فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض.
[وقيل: قوله أَساود صُبّاً على فُعْل، من صَبا يَصْبو إِذا مال إِلى الدنيا، كما يقال: غازَى وغَزا؛ أَراد لَتَعُودُنَّ فيها أَساود أَي جماعات مختلفين وطوائفَ متنابذين، صابئين إِلى الفِتْنة، مائلين إِلى الدنيا وزُخْرُفها. قال: ولا أَدري من روى عنه، وكان ابن الأَعرابي يقول: أَصله صَبَـأَ على فَعَل، بالهمز، مثل صَابـئٍ من صبا عليه إِذا زَرَى عليه من حيث لا يحتسبه، ثم خفف همزه ونوَّن، فقيل: صُبّاً بوزن غُزًّا.] لسان العرب.
وجاء باللسان: [ (صَبَع) على القوم يَصْبَعُ صَبْعاً: طلع عليهم، وقيل: إِنما أَصله (صَبَأَ) عليهم صَبْأً فأَبْدَلُوا العين من الهمزة. (جَبَأَ) عليهم يَجْبَأُ: إِذا خَرَجَ. ]. والصبا ريح من جهة مطلع الشمس (لانبعاثها وطلوعها منه). وبالمسند صبّح بمعنى هاجم/غزا (خرج على)، جام 616 : وأغاروا و(صبّحن) وحارب. [يومَ الغارة يوم الصَّباح ] اللسان. وبالنقوش المصرية يسمّى العدو سابي لخروجه عليهم (صبعه وصبأه): سبي نا حرى رانك. لوح5،ص20. [ The Egyptian Book of the Dead,E.A.Wallis Budge]، بمعنى: سبيت (غزوت العدو/خرجتُ) حرى (على، من أجل) اسمك. صبع (لوح10،ص45)، نفس المصدر.صبع(ص215)،نفس المصدر. سبيو خر =السابي (الغازي/الطالع) خرّ (سقط). لوح1، ص2.نفس المصدر. در/تر سبءو (دحر/حطم الأعداء) ص 21-22، حست(حاشّة) سباو: ذابحة السباة (العدو/الصُباة/السُباة)، لوح12،ص 71.نفس المصدر. [صبعو عشو (جيش كثير)، ص 168، الهجرات العربية القديمة]. ومن كتاب (الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي،د.سيد فرج راشد، ص 80:من نقش فنيقي بسردينيا (حوالي قرن 9 ق.م):[بسردن، شلم هو، شلم (صبأ) ] أي بسردينيا ،سلم هو (=القائد) ،سلم (الجيش:أي جيشه).
ـ(لسان العرب،لابن منظور) :وكان يقال للرجلِ إذا أَسْلمَ في زمن النبي، صلى اللّه عليه وسلم: قد صَبَأَ، عَنَوْا أَنه خرج من دين إلى دين.وقد صَبَأَ يَصْبَأُ صَبْأً وصُبُوءًا، وصَبُؤَ يَصْبُؤُ صَبْأً وصُبُوءًا كلاهما: خرج من دين إلى دين آخر، كما تَصْبَأُ النُّجوم أَي تَخْرُجُ من مَطالِعها. .. وفي حديث بني جَذيمة: كانوا يقولون، لما أَسْلموا، صَبَأْنا، صَبَأْنا. وكانت العرب تسمي النبي، صلى اللّه عليه وسلم، الصابِئَ، لأَنه خرج من دين قُرَيْش إلى الإسلام، ويسمون مَن يدخل في دين الإسلام مَصْبُوّاً،..، ويسمون المسلمين الصُّباةَ، ..
قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا ءَامَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ (13) البقرة
ـ كنز العمال، المجلد الثاني عشر، الحديث رقم: 35356- .. ثم جعل هذا اللقب علما على طائفة من الكفار يقال: إنها تعبد الكواكب في الباطن وينسب إلي النصرانية في الظاهر وهم الصابئة والصابئون .. ويجوز التخفيف فيقال: الصابون، وقرأ به نافع. المصباح المنير 1/454. ب.
وجاء في نقش (يعود لما قبل الإسلام بحوالي 6 قرون،تاريخه كما دُوّن بالنقش، يوافق: 16 م ) من مدائن صالح (الحِجْر) بشمال الحجاز عبارة :
( موهبةَ ذي بيدها ،ذي تعبد به كل ذي تصبأ ).
(من كتاب الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي ، د.سيّد فرج راشد،صفحة 187) .
وهو يتحدث عن قبر بناه زوجها ثم وهبه لها لكي تصنع بالبناء (القبر) ما تصبأ.ولفظ (تعبد) يُراد به (تصنع،تفعل) ، ونجد تعبير (ذي تصبأ) يفيد معنى (ما تشاء) أي أنها تستطيع أن تصنع بالقبر ما ( ترغب وتهوى وترى وتميل إليه). ولعل هكذا ديدن الصابئة (يدينون بما يصبأ لهم وما يرونه [يصبأون له] من سبل وطرق وأحكام ) دون برهان حقّ ولا علم ولا يقين. [وصَبَأَ نابُ الخُفِّ والظِّلْف والحافر يَصْبَأُ صُبُوءاً: طَلَعَ حَدُّه وخرج. وصَبَأَتْ سِنُّ الغلامِ: طَلَعَت. وصبَأَ النجمُ والقمرُ يَصْبَأُ، وأَصْبأَ: كذلك. وفي الصحاح: أَي طلع الثريَّا. وصَبَأَتِ النُّجومُ إذا ظَهَرَت. ] اللسان،وقد سمّت مصر النجم :سب ،(لغة في صبح،شبّ).وكذلك: سبا = نجمة، نجمة الصباح،( sba)، سبو (نجوم) لوح21،ص 136،من كتاب [The Egyptian Book of the Dead]، وفيه [سب (نجم) ص 1xvi ]،وفيه [ أري بِت/فِت إنت سِبو (=أصنع سماء ذات نجوم) ص 141]. ومن كتاب:[ (W.Budge ; Egyptian Language..):سبأ :نجم،(سبا ،دوا) = نجمة،نجمة الصباح،( sba,dwa)].(صبأ=نجم) ص 795، معجم غاردنر، آلهة مصر العربية. وسمت مصر نجم الشعرى " سفت/سبت"،ص 634، آلهة المصريين، ويبدو ذلك من اصل صَبْأ النجم.ومن كتاب 1xviص،The Egyptian Book of the Dead :[با-ك (سب *)،مع رمز نجمة]، أي روحك نجمة،وفيه [عب سبو (أمام الآلهة النجمية) ص 144 ] ،وسمّت مصر أحد كتبها الدينية [(شعت ن سبأو)،ص 203،كتاب آلهة المصريين،والس بج،ترجمة محمد حسين يونس].أي كتابٍ (سبأو)،حيث شعت (كتاب)، ولفظة (سبأو/سبئو) قد تعني (ممر/طريق) أي مسبأ، أو نجوم (إصباح/نور)، حيث كُتبت (سباو) مع رسم نجمة (*).ومثل عبارة" انّا شنأ (تو) بأ(ي) ار شات(ي) حر سباو نو امنتت" ،لوح15،ص 89، من كتاب The Egyptian Book of the Dead .الا تحبس (جنأ/كنّ) روحي (بال،فؤاد) مع جسدي في ممر (مسبأ) الغروب [أمنتت: عمنة،حيث المُكث والإقامة،منيّة/موت، وهي (أمنتا/أمنتة) لدى مصر القديمة عالم الموتى والأرواح والنور والقداسة والأبدية وحيث تغرب الشمس،ولعل منها اسم صابئة المندائيين، أو هم من دوا :مقدّس (طوى،دعاء) ]، ان شنتي حر سبا ن دوات/توات.ص 242 . بمعنى ألاّ أسجن في إصباح/مسبأ الطوات (من القداسة:كوادي طوى) ،أي الفجر/الضوء/ الأعالي (من حيث تأتي الشمس،أو السماء المقابلة للوجه الآخر من الأرض).
وكل تلك التخاريص والأماني أصلها كتاب مصر (برت م هرو) أي الخروج إلى النور (عالم الشموس والأقمار والنجوم) {سمّت مصر الجبال طو [تو/طو (ص19) كتاب The Egyptian Book of the Dead] أو طوت ، وبالعربية طود،ولعل الوادي المقدّس (طوى) مثله لغةً (من معنى العلو والسمو) أي من قداسته وعظمته وجلاله. وسمّت مصر عالماً أو ناحية من السماء (من حيث تبزغ الشمس) باسم دوا/دوات (لعلهم أرادوا عالماً مقدّساً أو عالياً سماوياً أو من الثواء) وسمّت به الدعاء والتقديس، [دوا/توا أسر خنتي أمنتت (=القداسة/السمو لعثتر قاطن عمنة [عالم النور والخلود/ما وراء العالم]). ص 241.نفس المصدر،وفيه : ص 6: حق توات (أمير الطاءة)] ونجمة الصباح دوا، وبالإنجليزية لفظة ( divine ) وأصلها دواين (حيث: v من أصل :و) تعني سماوي /ربّاني . واللفظة من (الأصل اللاتيني: divus أي إلهي)، و dawn (فجر) و deity إله، و day (ضوء). ولدى سبأ (اليمن) لفظ (ثهون) بعد اسم الإله (ألمقه)،الذي قد يفيد القداسة والسمو. }. ومن نقوش ملوك مصر عن ما بعد موتهم (كتاب The Egyptian Book of the Dead ): ببي (الملك ببي ) فو (هذا) نترو (يصبح إلهاً)،أفّت نترو (ورسول إله). 1xxiv ،حمس (يجلس) خنت نترو (وسط الآلهة)، 1x ،م (مثل) رع نتر (الشمس الإله) جدا حح (يدوم للأبد)، 1x،با (النفس) ر / فات (بالفضاء)،شات (جثة) ر / تيه (بالأرض)،فات قر با-ك (الفضاء قرار نفسك/روحك) تيه قر توت-ك (التيه/الأرض قرار جسدك)،1viii ،رع-تمو (إله الشمس) هاء سائك (هرع إليك ولدك). ذاتك ن جدا (ابنك من جسدك للأبد)، 1vi ،آ انس (يا أنس) أنّ (ألاّ) شمنك (ثمّك=ذهابك) اس متّث (كميّت)،شمنك عنشت (إنما ثمّك كحيّ) ،حمس خر خنت أسر (لتجلس مع عثتر/ نجم)،1v ، ص 130 :[دوا تو م تواية (يقدّسك/يرفعك في طلوعك/شروقك)،.. بر (=خروج) با (=روح) ن أسر- آني (يُدمج اسم المتوفى آني،مع عثتر/أسر) حنع-ك (=معك) ار (=إلى) فت (=فضاء/سماء)،.. أبخ (=يعب/يظهر/ يأفق) م أشمو (=في النجوم) م فت (=بالفضاء)]، وغيره كثير ولا يتسع المقام.